الثلاثاء، 26 يونيو 2012

الى كل سيدة في بلدي الحبيبة مصر




تحية لكل سيدة في بلدي الحبيب مصر، تحية لكنّ
 جميعًا على شجاعتكنِّ خلال الفترة السابقة والتي تعرضتنَّ فيها جميعًا لضغط نفسي وعصبي جبار مختلف الألوان والأشكال. أمهات تحملنَّ موت أولادهن وهم في بداية حياتهم وإصابات أبنائهن الشباب بمختلف الإصابات التي تراوحت بين فقد عين أو العمى أو العجز الجزئي أو الكلي. أمهات كانت تعيش أيام طويلة لا تعلم شيئًا عن أبنائهن الشباب الثائر الباحث لنفسه عن مكان في هذا الوطن بعد أن نساه من هم في موقع المسئولية ومفترض أن دورهم أن يساعدوه ليجد هذا المكان. أمهات لأطباء وطبيبات، ممرضين وممرضات نزلوا الى الميدان أو بقوا في المستشفيات ليساعدوا المصابين ويقوموا بدورهم في هذه الظروف الحالكة. أمهات لأطفال وبنات تم اختطافهم من أجل المال أو من أجل أشياء أخرى لا يعلمها الا الله. زوجات فقدنَّ أزواجهنَّ أو عائلهنَّ الوحيد لتجدنَّ أنفسهن في مواجهة مع الحياة بدون سند أو راعي وليس لهن إلا الله الرحيم بهن وبأولادهن. لكل واحدة من هولاء لا يسعني إلا أن أنحني احترامًا وإجلالاً لهنَّ على قوتهنَّ وصبرهنَّ في مواجهة المواقف الصعبة التي يعجز الكثير من الرجال عن تحملها. لكل سيدة من هؤلاء السيدات أقدم كل تقديري واحترامي وليعوض كل واحدة منهنَّ خيرًا ويجيرها في مصيبتها.

ما مررنا به خلال الشهور الطويلة السابقة كان معاناة حقيقية، حتى بالنسبة للأغلبية الذين لم ينزلوا للميادين. الخوف والرعب الذي عشناه خلال العام ونصف العام المنصرم لم يكن بالشيء القليل. فلم يكن يمر يوم بدون أخبار تثير الخوف ولا نعلم إن كانت صحيحة أم لا. أعمال بلطجة في الشوارع وأولادنا لابد أن تنزل لمدارسها ودروسها ولتمارس حياتها بطريقة طبيعية. حوادث خطف الأبناء والأفراد، حتى البالغين منهم، فلم يقتصر ذلك على الأطفال فقط.  رعب مستمر وعذاب يومي لا ينتهي يترجم لمشاعر وأحاسيس وأفكار في منتهى السلبية على جسمنا وصحتنا وفكرنا وحتى مزاجنا العام حتى عندما كنا نضحك كانت ضحكاتنا مشوبة بالمرارة. إحساسنا بالأمل والسعادة والشعور بالزهو والتفاؤل الذي كان لدينا يوم التنحي زال بعد فترة.  لا أذكر بالضبط متى حدث ذلك ولماذا ولكن أذكر جيدًا يوم التنحي كيف كانت الناس سعيدة تضحك وتبتسم في وجه كل من يصادفها حتى وإن كانت لا تعرفه. كلنا كنا نشعر أننا ولِدْنا من جديد وأننا سنبدأ حياة جديدة أجمل وأن أبنائنا سيعيشون في ظروف أفضل من التي عشنا فيها. وتوالت أحداث كثيرة خلال العام والنصف ولا أذكر موقف أضاف المزيد من الأمل الى الشحنة الإيجابية التي حصلنا عليها نتيجة نجاح الثورة بل كانت تخصم منها بإضافة شحنة سلبية حتى اختفت الشحنة الإيجابية بالكامل وبدأت الشحنات السلبية تتراكم خلال شهور طويلة. تهنا في دوامة التحليلات السياسية وغرقنا فيها. طوفان من التحليلات والبيانات والمواقف غير المفهومة وإناس يتكلمون عن صفقات وتعهدات ومخططات لتقسيم البلد ونحن لا نفهم ما موقعنا وأين نحن من كل هذا. ألا يوجد أحد في هذه البلد يهمه أمر البلد أو هذا الشعب، الكل لا يفكر إلا في مصلحته الشخصية والمكاسب التي سيحصل عليها.

كنت أرى أن بانتهاء انتخابات الرئاسة وإعلان النتيجة سنهدأ ونبدأ مرحلة جديدة  ونجد بعض الهدوء والاستقرار. سيمكننا أن نبدأ مرحلة ترتيب وتنظيم حياتنا، مرحلة نتخلص فيها من الطاقة السلبية التي بدأنا نمتصها كالإسفنج منذ شهور طويلة. ولكن للأسف وجدت اليوم الجدال والمناقشات حول المصادمات والمشاحنات والمخططات التي ستؤدي لتقسيم البلد تعود من جديد. ولم يدخر الإعلام جهدًا ليبدأ سلسلة جديدة من التحليلات والتكهنات والاتهامات بما يعني أننا سنبدأ مرحلة جديدة من القلق والخوف والعذاب. بصراحة أنا لم يعد لدي أي جهد لهذا العذاب. ولا أنوي تبديد المزيد من الطاقة في الجلوس لساعات أمام التلفزيون لسماع التحليلات بصراحة تعبت وضميري يؤنبني علي الوقت الذي أهدرته في كل هذا. لقد أتخذت قرارًا حتي يمكنني أن أعيش المرحلة القادمة بطريقة أكثر إيجابية. سأبدأ العمل من أجل أن أحقق الغرض من هذه الثورة. هذه الثورة قامت للتغيير، تغيير حياة الناس للأحسن من حيث الظروف المعيشية والفكرية حتى يمكننا أن نرفع بلدنا الى مكانتها الحقيقة. لذا سأبذل قصاري جهدي الفترة القادمة ألا أخوض في المناقشات التي لا تجدي ولكن تشيع اليأس والرعب في نفوس الناس دون أي أساس من الصحة. سأركز في عملي وأعقد النية أن يكون ما أعمله هو بهدف رفع شأن بلدي ومساعدة أهله قدر استطاعتي. أن أبتعد قدر الإمكان عن مصادر الطاقة السلبية وإن كان لابد أن أتابع التحليلات فيجب أن يتم ذلك بعد أن أنتهي من واجبي اليومي المتمثل في عملي وحياتي وأن يكون في أضيق الحدود حتى لا يقضي على الطاقة الإيجابية التي اكتسبها بإنجاز عملي.

بلدنا يحتاج لطاقتنا في العمل أكثر من فهمنا للسياسة. صحيح يجب أن نفهم وندرك ما يدور حولنا ولكن لا يصح أن نوقف حياتنا بحجة أننا نتابع السياسة أو نناقش بعض قضاياها. هذا البلد يحتاج لإناس يؤمنون بقيمته يعملون ليعيدوه إلى مكانته الحقيقية. لا أخفيكم سرًا فلقد علمت قيمة هذا البلد ومكانته خلال هذه الأحداث فقط، صحيح أني كنت أشعر بالولاء والحب الشديد له لكن لأنه بلدي فطبيعي أن أحبه مهما كانت مكانته كما يحب الإنسان أهله أيًا كانوا. أما بعد الأحداث التي شهدناها وكيف يتكالب الكل عليها وآخرون لا يريدون لها أن تعلو حقدًا وغيرة فقد عرفت أني يجب أن أفتخر أني انتمي لهذا البلد وأن عليّ واجب تجاهه يجب أن أقوم به لأشارك في تقدمه للأمام ولو لمسافة ضئيلة. إن وصفه بأم الدنيا ليس مبالغة فهو فعلاً أم الدنيا وليس كثيرًا عليه أن يكون أم الدنيا ويجب أن نفتخر ونتيه زهوًا أننا مصريون، كما يجب أن نكون على قدر هذه المكانة. الكل يخاف أن ترجع مصر لمجدها ومكانتها لأنها ستكون كالشمس التي ستخفي بنورها كل شيء. ولو لم تكن هكذا فلماذا يتكالبون عليها منذ قرون. هذا البلد الذي وصفه الله سبحانه وتعالي بالآمن سيحميه ربه أما نحن فيجب علينا أن نقوم بواجبنا تجاهه بالعمل أولا ثم يأتي بعد ذلك أي شيء آخر.